تأثير الطلاق على الأطفال
ينتج عن الانفصال تأثيرات مُتباينة تختلف من طفلٍ لآخر، حسب طبيعته ونُضجه اعتماداً على عمره، وعلى طريقة انفصال الوالدين ودورهم في زيادة تقبّله لهذا القرار، وشعوره بالارتياح بعده، ومن آثار الطلاق على الأطفال، ما يأتي:
التأثير النفسي والعاطفي
قد يواجه الأطفال صعوبةً في السيطرة على مشاعرهم وتقبّل قرار الانفصال، فيتأثرون به نفسيّاً وعاطفيّاً، ومن هذه التأثيرات ما يأتي:
- الشعور بالحزن والأسى وعدم التكيّف مع انفصال الوالدين، وتختلف هذه المشاعر بحسب نُضج وفهم الطفل للأمر، فقد يظن الأطفال في سنٍ صغيرٍ أنهم سبب الانفصال، ويشعرون بالألم والذنب، أما الأطفال الأكبر سناً فتختلف ردود أفعالهم، إذ يشعر البعض بالقلق والاكتئاب، أو كره الأسرة.
- القلق والإجهاد النفسي بسبب التفكير المُتكرر والدائم بأسباب انفصال الوالدين وعدم فهمها جيّداً، فقد يظن الأطفال أن والديهما سيتوقفان عن حبهم، كما سبق وتوقفا عن حبّ بعضهم وافترقا بالنهايّة، مما يؤثّر على مشاعرهم الداخليّة ويزيد من شعورهم بالإحباط والخوف والتوتّر
التأثير الاجتماعي
يُمكن أن تظهر تأثيرات الانفصال الاجتماعيّة على الأطفال من خلال بعض العلامات والمظاهر الآتية:
- ضعف قدرة الاتصال لدى الطفل: ويظهر ضعف الاتصال لدى الطفل من خلال عجزه عن التفاعل مع والديه، ومع الأفراد الآخرين المُحيطين به بسبب المشاعر السلبيّة التي تظل عالقةً به، والتي يكتسب بعضها من النزاعات والبيئة غير الصحيّة التي كان يعيش بها سابقاً، أو الناجمة عن تغّيرات ما بعد الانفصال ؛ كارتباطه وتفاعله مع أحد والديه فقط وهو الحاضن له، وابتعاده عن الآخر، وعدم الالتقاء به أو محادثته فتراتٍ طويلة مما يجعله يشعر بالاستياء والكره والغضب منه، وبالمقابل يتعلق بالحاضن، ويخشى فقدانه وخسارته أو هجره له لاحقاً.
- التأثير على علاقات الطفل المُستقبليّة: يتأثّر الأطفال داخلياً بالطلاق كما ذكر سابقاً، وبالتالي يؤثّر ذلك على نشأتهم وعلاقاتهم المُستقبلية مع مرور الوقت، كما تُظهر الدراسات النفسية التي أجريت على عدد من الأزواج من قبل مكتب الإحصاء الاجتماعي في الولايات المُتحدة الأمريكية، إلى أنّ الأطفال الذين نشأوا في ظروف الانفصال تكون علاقاتهم الزوجيّة لاحقاً أكثر عرضةً للطلاق أيضاً، ويُمكن أن يكون السبب في ذلك انعدام الثقة والأمان في الشُركاء لديهم، إضافةً لافتقارهم لبعض المهارات الاجتماعيّة المُكتسبة من الأسرة، ونقص العواطف والمشاعر الجميلة واستبدالها بمشاعر أكثر سلبيّةٍ، وبالتالي عدم قدرتهم على حل الخلافات الزوجيّة ومُعاناتهم من مشاكل تُشبه مشاكل ذويهم، فينتهي بهم الحال مع الأسف بنفس الطريقة التي انتهى بها الوالدين والانفصال، وهو ما يُعرف نفسيّاً بنظريّة “النمذجة الأبوية” أي السير على نموذج مُشابه للآباء.
التأثير على المستوى التعليمي والأكاديمي
قد ينتج عن التغيّرات الحياتيّة المُختلفة والمرافقة للانفصال تدنيّ المستوى التعليمي والأكاديمي للأطفال، وهو أمرٌ يختلف من طفلٍ لآخر، لكنه يعود لعدّة أسباب منها:
- شعور الأطفال بالارتباك والتشويش والإجهاد العقلي، وعدم القدرة على التركيز في الدراسة بشكّلٍ جيّدٍ بسبب التغيّرات الديناميكيّة والمشاعر السلبيّة التي قد تُرافق قرار الانفصال للأبوين.
- عدم تأقلم الأطفال مع المدارس، وأماكن السكن والأحياء الجديدة، والأصدقاء والمعارف الجدد مما يُعيق رغبتهم في التعلّم أو الذهاب للمدرسة.
- الحاجة لتلقيّ الدعم والتشجيع بشكلٍ أكبر من الوالدين، ومُساعدتهم على تقّبل حقيقة الطلاق وفهمها، والاهتمام بهم ورعايتهم أكثر، في حين أنّ الوالدين قد يكونان مُنشغلين بإعادة تنظيم الحياة وترتيبها أو توفير مستوى معيشة أفضل للأطفال، فقد يُهملونهم بعض الوقت بغير قصدٍ، مما ينعكس على أدائهم وتحصيلهم العلمي، وهو أمرٌ يجدر الانتباه له وعدم إهماله.
التأثير الصحي والسلوكي
رُبما ينعكس الطلاق على صحة وسلوك الأطفال النفسيّ والاجتماعيّ في بعض الحالات، وذلك كما يأتي:
- زيادة فرصة الإصابة بمشاكل نفسية، ومنها الاكتئاب، والمشاكل النفسيّة الأخرى الناجمة عن القلق، والإجهاد، والتوتر، والتي قد تحتاج إلى تدخّلاً وعلاجاً طبيّاً حتى لا تتفاقم وتؤدي لأضرارٍ ومشاكل أكبر.
- حدوث مشاكل واضطرابات سلوكيّة مختلفة، كالجنوح، والعنف، واللجوء للاشتباك والصراع مع باقي الأطفال من عمرهم، وقد تكون هذه التصرفات بغرض التنفيس عن الاستياء والغضب، والتعبير عن المشاعر السلبيّة التي تغمرهم وتؤلمهم من الداخل.
التأثير المادي على مستوى المعيشة
أحياناً يتسبب الطلاق في العديد من التغيّرات بالشؤون الماليّة والنفقات، مما ينتج عنه تغيّر المستوى المعيشي للأطفال، وذلك بسبب اختلاف مقدار وقيمة الدخل الذي كان الأبوين يُقدّمانه للأسرة معاً، بحيث قد يعجز أحدهما عن توفير احتياجات الأطفال وتحقيق رغباتهم لوحده، وهنا يجب التنويه لضرورة التعاون بين الأبوين في رعاية الأبناء وتوفير مصاريفهم وأساسياتهم، بالرغم من انفصال الزوجين، وانتقال الأطفال لحضانة أحدهما.
تأثير الانفصال على الأطفال الرُضّع وذوي السن الصغير
لا يقتصر تأثير الانفصال على الأطفال البالغين ومتوسطي الأعمار، بل قد يتأثر به الأطفال صغار السّن والرّضع أيضاً، حيث إنّهم لا يُدركون حقيقة الأمور من حولهم، ولا يستطيعون الاعتماد على نفسهم بعد، ويحتاجون عنايّةً أكبر، من قبل الزوج الحاضن لهم، والتأكد من أنه قادر على تقديم الاهتمام الكافي والرعاية الأفضل، ومُتابعة نموّ وتطور الطفل الصحيّ؛ فالطفل في هذا العمر قد يفتقد والديه بشدّةٍ، ويُعاني من الصعوبات والآثار الناتجة عن الانفصال عن أحدهما أو كليهما، كالشعور بالغضب، والبكاء المُتكرر والمُزعج، وقد تراوده الأحلام المُزعجة أيضاً، فيستيقظ ويبكي طويلاً في ساعات الليل المُتأخرة، إضافةً للشعور بالخوف وانعدام الأمان بسبب فقدان والديه، أو الاشتياق لهما.
نصائح للحد من آثار الانفصال على الأطفال
هُنالك بعض الإرشادات والنصائح الهامة التي يجب على الوالدين أخذها بعين الاعتيار واتباعها؛ للحد من الآثار السلبيّة لقرار الطلاق على الأطفال، ومُساعدتهم على التأقلم والتكيّف معه أكثر، ومنها:
- شرح وبيان الموقف للأطفال القادرين على الفهم والاستيعاب، والتأكيد على على أن قرار الانفصال لا يهدف إلى قلب وتغيير حياتهم، بل إنه يدعم استقرارها، ويُساعدهم على العيش براحةٍ وهدوءٍ أكبر بعيداً عن الخلافات والنزاعات، وفي ظل وجود كلا الأبوين، وإن لم يكونا معهم في نفس البيت.
- وقوف الأبوين جنباً إلى جنب أمام الأطفال وتكاتفهما معاً في الإجابة على أسئلتهم، وطمأنتهم، وسد الثغرات المُبهمة التي تُسبب لهم الخوف والقلق من المُستقبل، والاجتهاد قدر الإمكان في جعلهم مُرتاحين وآمنين، وقادرين على تقبل القرار وآثاره جميعاً بناءً على أعمارهم ومعرفة الأبوين الجيدة بهم.
- منح الأطفال المزيد من الاهتمام والرعاية، ومُشاركتهم الأنشطة الجديدة التي تُخرجهم من أجواء الخوف والاكتئاب بسبب تغيّر ظروف الحياة، ومكان السكن، والمدرسة، وغيرها، بحيث تُساعدهم على بدء حياة جديدة بحب وتفاؤل، مثلاً جعلهم يُشاركون من أجل التأقلم في اختيار الأثاث الجميل لبيتهم الجديد، وانتقاء طلاء مميّز لغرفهم، والتسوق وشراء ألعاب أخرى جديدة تسعدهم وتُغير مزاجهم، وغيرها.
- التأكيد على احترام الأبوين لبعضهما، وبشكلٍ خاصٍّ أمام الأطفال، وتجنّب الإساءة لأي منهما، أو شتمه والتحدث عنه بصورةٍ غير لائقة في غيابه أمام الطفل.
- مُشاركة الوالدين في بعض المُناسبات الخاصة والتي قد تعني الكثير للأطفال، كأعياد الميلاد، أو احتفالات التخرج، وغيرها من الأوقات التي يرغب بها الأطفال بوقوف ومُشاركة كلا الوالدين بها.
- التناوب في دور الحضانة، وعدم إلقاء العبء على الزوج الذي سيعيش معه الطفل، بل الاستمرار في لقائهم، وزيارتهم، أو اصطحابهم للتنزه والاتصال بهم دائماً، وعدم إشعارهم بالابتعاد، أو تخلي أحد الوالدين عنهم بعد الانفصال.
- مُحاولة ضبط روتين الأطفال اليومي المُنتظم، والسير عليه دون تغيير أو إعادة هيكلة خاصةَ في غياب الحزم الذي كان يُقدمه الطرف الآخر، أو عند تغيير المكان، وبالتالي الحفاظ على مواعيد النوم، والدراسة، وحل الواجبات المنزليّة بانتظام، وتناول الطعام الصحي والوجبات الرئيسية، وغيره.
أضرار الطلاق السلبيّة على الأطفال
قد يكون الأطفال هم الحلقة الأضعف في موضوع العلاقات الأسريّة، والطرف الأكثر تأثراً بمشاكل الانفصال لاحقاً، ومن أبرز الأضرار السلبيّة عليهم ما يأتي:
- شعور الأطفال بالحزن والقلق والاكتئاب وعدم تصديق حقيقة الأمر، حيث تكون السنة الأولى هي الأصعب والأكثر ألماً للأطفال بعد الانفصال مُباشرةً.
- ظن الأطفال بأنهم سبب الطلاق مما يؤثر على نفسيّتهم، خاصةً إذا كانو أطفالاً صغاراً، حيث يعتقد بعضهم أن هنالك خطأ شخصيّ منهم فرّق بين والديهم، وأبعدهم عنهم فيشعرون بالذنب والحزن.
- الغضب والكره الشديد للأسرة، وهو شعور قد يُصاب به الأطفال المُراهقون، والناجم عن التفكك الأسري بعد الانفصال ، والخلافات والاضطرابات بين الزوجين، أو غيرها.
- تأثر الأطفال بالظروف الأخرى المُرافقة لقرار الانفصال ، وتشمل: تغيّر مكان السكن، أو المدرسة، أو صعوبة الظروف الماديّة، والعيش مع أحد الوالدين فقط، أو حاضن آخر، وبالتالي الإجهاد العاطفي، وتغيّر في السلوكات، وضعف العلاقة والارتباط مع أحد أو كلا الوالدين، وغيرها من السلوكات السلبيّة الناجمة عن عدم الارتياح.
الأضرار الاجتماعيّة للطلاق
تؤثّر تجربة الطلاق على نفسيّة الأزواج كما ذكر سابقاً الأمر الذي يخلق لديهم مشاكل في التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم كالمُعتاد، خاصةً بعد الانفصال مُباشرةً؛ لأنّ الطليق قد يرغب بالجلوس وحيداً ويتجنّب الجميع، أو أن يحصل العكس بحيث يرغب بالخروج من حالته النفسيّة والتخلّص من مشاعر الكآبة والحزن لديه، فيميل للانخراط مع الآخرين وتجربة علاقات جديدة بشكلٍ متهور، وبالتالي الانفصال والخسارة من جديد، بسبب عدم التركيز والوعي الجيّد والتأني والاعتبار من الأخطاء السابقة قبل الدخول بعلاقة جديدة، ومن ناحيّة اجتماعيّة أخرى فقد يتأثّر المرء بنظرة الآخرين له، ويشمل ذلك الأصدقاء والمُقرّبين، الذين قد يميلون لتجنّبه، أو إشعاره بالانزعاج، من خلال المظاهر الآتية:
- تحيّز الأصدقاء للطرف الأضعف في الطلاق ، أو عدم رغبتهم بسماع كلام مؤذي عن الزوج الآخر، خاصة إذا كانو أصدقاء لكلا الزوجين، مما يُصعب عليهم الاستمرار بالعلاقات مع الزوجين بشكلٍ فرديّ.
- وجود ضغوطات أسريّة من قبل عائلة الطليق، أو عائلة الزوج نفسه والتي تشعر بالغضب والاستياء، وتدفعه لقطع العلاقات مع الطليق وجميع أصدقائه وأفراد عائلته، وتجنّب الاتصال معهم مجدداً.
معدلات الأمراض النفسية
يسهم انفصال الأم والأب في ارتفاع معدّلات الاكتئاب والقلق والإحباط وجميع الأمراض النفسية عموماً، وهذا الأثر لا يقتصر فقط على الأبناء بل إنّه يمتدّ ليشمل الآباء الذين قد يتعرضون لأمراض نفسيّة حادّة وجدّية إذا أثّر فيهم الانفصال بصورة كبيرة وغير محتملة، وهذا يرجع إلى تغيير نمط الحياة وتغيير البناء الأسري الذي لا يعود على الإنسان بالخير بل العكس، فالبناء الأسري الطبيعي هو الذي يحقّق للأسرة كلّها الاستقرار وبالتالي الراحة النفسية، ويبعد أفرادها عن مواجهة الامراض النفسية التي أصبحت شائعة في هذا الوقت بسبب اختلال التوازن في كثير من الأشياء ومنها البناء الأسري، فللانفصال الدور الأكبر في تفاقم الأمراض النفسية وقلّة استجابة المرضى للعلاج النفسي، كما أن الأمراض النفسية تطال حتى الطرف الذي قرر ترك الشريك، فلا يقتصر هذا على الشخص المتروك، وذلك يرجع إلى صعوبة الطلاق ووقعه الكبير على النفس، فقد صُنِّف الانفصال بأنه ثاني أكثر شيء صعب وباعث للتوتر يمكن أن يمرّ به الإنسان
الخلاصة
وهو قرار يتخذه أحد أو كلا الزوجين يقضي بفسخ عقد الزواج الذي يربطهما معاً، وانفصالهما، وتغيير أدوار ومسؤوليات كل منهما في حياة الآخر، وقد يكون قراراً صعباً ويُصاحبه العديد من التأثيرات الجانبيّة التي تُغيّر حياة جميع أفراد الأسرة خاصةً عند وجود الأطفال، لكنه أحياناً يكون صائباً ويُحقق الاستقرار والتوازن الأسريّ من جديد،
شكرا
بواسطة
امل الشاعر
كاتبة حرة لمنصة T10T
يوصى بقراءة
أجعلى طفلك يسمع الكلام